أسبوع الوحدة الإسلامية: مراجعة عامة
بسم الله الرحمن الرحيم
صيدا في 21 ربيع الأول 1442هـ
الموافق 7 تشرين الثاني 2020م
أسبوع الوحدة الإسلامية: مراجعة عامة
بقلم: رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المقاومة سماحة الشيخ ماهر حمود
عندما نقترح دراسة تقويمية لشعار الوحدة الإسلامية، للبحث عن الانجازات والاخفاقات، نكون عمليا قد دخلنا في عملية تقويم للثورة الإسلامية في إيران، أو للجمهورية الإسلامية في إيران، باعتبار أن هذا الشعار هو رئيسي عندها، ويكاد يكون الرئيسي، وقد ميّزنا هنا بين الثورة والجمهورية لأن هنالك من يصر أن الثورة شيء وأن الدولة أو الجمهورية شيء آخر، وإن كنا لا نرى ذلك، أو على الأقل لا نرى ذلك في الشعارات الرئيسية أو الاتجاه العام الذي نسميه (استراتيجيا) ومن هنا نطرح هذه المراجعة العامة عسى أن نساعد في التسديد من جهة والدفع نحو الأمام من جهة أخرى.
لقد طرح الإمام الخميني رحمه الله شعار الوحدة الإسلامية عند انطلاقة الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ولعل الاقتراح صدر عن أحد مساعديه المعروفين فتم تبنيه، ويقتضي هذا الاقتراح أن يُجعل ما بين 12 ربيع الأول و17 منه أسبوعا للوحدة الإسلامية باعتبار الخلاف التاريخي حول تاريخ مولد سيد الأنام محمد صلى الله عليه وسلم، والذي يتفق على نبوته المسلمون ويختلفون في خلافته وأمور أخرى، هذا مع العلم أن تاريخ 9 ربيع الأول هو المعتمد في أكثر الأناشيد التي تنشد في الموالد…
وبغض النظر عن هذا وذاك، فإن فكرة أن يتحول التاريخان المعتمدان لمولد النبي إلى أسبوع كامل للاحتفال بمولد النبي كان إنجازا معنويا حقيقيا على طريق تقريب القلوب والأفهام ومحاولة البحث عن المشترك بين المسلمين… ولقد كرست الثورة الإسلامية ومؤسساتها جهدا مميزا لتكريس هذا الأسبوع وهذه الذكرى، ولقد ترافق هذا الاحتفال مثلاً مع مؤتمر عالمي سنوي للوحدة الإسلامية يعقد في طهران منذ انطلاقة الثورة يدعى إليه علماء ونخب ثقافية وزعماء سياسيون من كل أنحاء العالم الإسلامي (المؤتمر هذا العام يحمل الرقم 34)، وليس هذا المؤتمر إلا واحدا من مئات النشاطات التي استُنبطت للدعوة إلى وحدة الأمة الإسلامية كشعار رئيسي للجمهورية الإسلامية، وقد يكون أهم شعاراتها، إضافة إلى مواجهة الاستكبار العالمي، حتمية زوال إسرائيل…، لا شرقية ولا غربية ، الخ. والحق يقال، أن قائد الثورة الاسلامية الإمام الخميني رحمه الله ثم القائد السيد علي خامنه ئي حفظه الله، بذلا جهدا غير عادي في هذا الاتجاه، وسخرا كل مؤسسات الجمهورية الإسلامية في إيران ومن يدور في فلكها خارج إيران لنشر هذه الشعارات التي كما قلنا قد يكون أهمها شعار الوحدة الإسلامية.
بعد ما يقارب الاثنين والأربعين عاما، هل نستطيع أن نجري جردة حساب؟ وهل نحن مؤهلون لذلك؟ وهل جمهور إيران الواسع والمتنوع مستعد لأن يستمع إلى السلبيات وما ينبغي أن يتم إصلاحه؟ وهل الأخصام فضلا عن الأعداء سيتقبلون ذلك بصدر رحب ويشاركون في النقاش أم سيعمدون فقط إلى الشتائم والاتهامات يكتفون بها كتعبير عن موقفهم؟ كائنا ما كان رأي هؤلاء وأولئك، لكننا سنقول رأينا بكل صراحة عسى أن يساهم ذلك في إصلاح ما فسد من أمور الأمة وأن يثمر الإيجابيات، الخ…
أولا: معنى الشعار:
حتى نستطيع أن نعدد ما أنجزته الثورة الإسلامية على صعيد الوحدة الإسلامية لا بد أن نحدد ماذا يعني هذا الشعار وما هو المقصود؟ طبعا أول ما يتبادر إلى الذهن أن شعار الوحدة الإسلامية يعني اجتماع المسلمين في كيان واحد تحت راية واحدة، وضمن فهم واحد للإسلام… ولكن هذا الفهم لهذا الشعار سرعان ما يتبدد عندما نشرع في العمل أو في الحديث عن الأمر… لأن مثل هذا الفهم هو خيالي بعيد عن الواقع، بل هو مستحيل التحقيق… في واقعنا كما في تاريخنا الإسلامي كله الذي ينبئنا أن مثل هذا الأمر لم يحصل في أي مرحلة من التاريخ، بل هو يخالف المفهوم القرآني المتكرر بأشكال وألفاظ متعددة في القرآن الكريم، ومنها قوله تعالى في آخر سورة هود: { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (سورة هود 118 – 119)، وهنا نتحدث عن الاختلاف، فليس بالضرورة أن الخلاف هو الخصومة والنزاع والتناحر، بل يعني التنوع الذي هو صفة طبيعية من صفات البشر ، ومع ذلك قد يصر البعض أن المعنى هو الخصومة والنزاع وليس التنوع، ولعلنا إذا فهما هذا الموضوع بهذا الشكل وقرأنا بقية الآية: (ولذلك خلقهم) يعني أن الله خلقنا للتنازع والخصومة… كما قال تعالى لآدم عليه السلام وهو يهبط من الجنة: (بعضكم لبعض عدو)… يعني أن النزاع بين البشر جزء من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وبالتالي كيف يمكن أن نلغي الخلافات أو التنوع بين البشر ونصهرهم في قالب واحد، وكيف يمكن أن نجمع المسلمين في بوتقة واحدة؟…
ومع أننا نتبنى الفهم الأول للآية الكريمة: التنوع وليس التنازع، ولكننا لا نستطيع أن نمنع الآخرين من أن يفهموها كما يدل ظاهرها… ويكون المعنى عند ذلك أن النزاع بين البشر هو الامتحان الحقيقي الذي تنكشف عنده نفسيات البشر ويتم “الفرز” بين الصالح والطالح، وبين المعتدي المجرم وبين المدافع البريء الخ… وكما يقول علماء النفس ((Rien ne se fait a froid لا شيئ يحصل على البارد… بمعنى لا تتكون الشعوب ولا تظهر مكنونات النفوس ولا تبنى الحضارات إلا بالصراع والمواجهة والتحديات الكبرى، ومنها الخصومات والنزاعات والحروب، الخ… قد يقول البعض أننا ابتعدنا عن الموضوع، والحقيقة أن هذه الآية والاجتهاد في تفسيرها هو في صلب حديثنا…
إذن لا يمكن أن يعني شعار الوحدة الإسلامية الاندماج أو الانصهار بين المسلمين بإلغاء الفوارق المذهبية والعرقية وغيرها، إنما في وضع الخلافات والتنوع في مكانها الصحيح، أي أن نعترف بالتنوع بين البشر بمن فيهم المسلمون، ولكن على أن لا يكون هذا التنوع هو مقياس العلاقة، بل يكون ضمن الاستيعاب لفهم التنوع، وهنا يأتي مكان الآية الكريمة: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } (سورة الحجرات 13)، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى…) الخ، وبالتأكيد فإن احترام التنوع والتعامل معه بإيجابية واستثماره كما ينبغي يصبح مصدرا لثراء الحضارات جميعها بما فيها الحضارة الإسلامية، ولا يخفى على ذي لب أن التفوق الأمريكي المدني والتقني المعاصر إنما قام على أكتاف هذا التنوع الواسع الذي كرسته القوانين الأمريكية، كما كانت الحضارة الإسلامية في أوجها تستقطب العلماء والدارسين والعاملين من كل الجنسيات، فكان أكثر العلماء والقادة وأصحاب الشأن من غير العرب مثلا: من الفرس والروم والترك وغيرهم من القوميات، صحيح أن ضعف الوازع الديني حوّل هذا التنوع إلى شعوبية مزعجة في بعض الفترات، ولكن هذا لم يلغ أن التنوع كان مصدر ثراء علمي واسع رسخ قيم الحضارة الإسلامية، كما كان مصدر ثراء في كل الحضارات.
ولقد اشتهر بين الحركات الإسلامية الفاعلة شعار (نعمل معا فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه)، ينسب هذا الشعار للإمام حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين كما ينسب لغيره أيضا، وفي كتب الفقه تعوّد الفقهاء أن يذيّلوا نقاشاتهم المطولة والمفصلة والقاسية أحيانا بجملة مشهورة: رأينا صحيح يحتمل الخطأ ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب.
لقد فهمت الثورة الإسلامية هذا الفهم فكان التركيز دائما على وحدة الشعار الإسلامي، وفي رأس الأولويات مواجهة الصهيونية ومن يدعمهاباعتبار أن مواجهة الصهيونية ومفاعلاتها أمر بديهي ينبغي أن يوحد المسلمين في العالم، كذلك البحث عن مصالح الأمة الإسلامية المتفق عليها، فأين نجح هذا الشعار وأين فشل؟ إذن فإن المعنى هو توحيد الموقف وتوحيد الصف والقدرات في مواجهة أعداء الأمة وليس وحدة الفقه والاجتهاد العلمي.
العنوان الأول: الانجازات
الإنجاز الأول: حرية القرار:
لعل أهم إنجاز حققته الثورة الإسلامية في إيران والذي قد يغيب عن الكثيرين ويشكك به كثيرون، وهو باختصار (الحرية)… نستطيع أن نؤكد دون أي تردد أنه لا يوجد مكان في العالم الإسلامي كله يمكن أن يتخذ فيه قرار حر يتضمن موقفا عمليا ضد الهيمنة الأمريكية والمخططات الصهيونية غير إيران.
لقد استطاعت إيران بمواقفها الواضحة، وبالتراتبية الدينية الثقافية المتمثلة بولاية الفقيه، وبالتفاف أكثرية وازنة حول القيادة، وبجملة أسباب، من أن تتخلص من التدخل الأمريكي والغربي كما من أي تدخل آخر… وبالتالي اجتمع وضوح الرؤية السياسية والالتزام مع حرية اتخاذ القرار، فكانت المقاومة وكانت الانجازات. قد تتخذ بعض القرارات كردة فعل على موقف أمريكي أو مخطط صهيوني، وأخرى قد تكون ناتجة عن صعوبات من جراء الحصار أو الحروب ولكن بالتأكيد ليس هنالك من تبعية… يعني بالتأكيد لا ننفي الخطأ أو الضعف أو سوء التقدير مثل قضية (الكونترا – ماكفرلين) المسماة (إيران غيت) على سبيل المثال، ولكنها ليست تبعية على الإطلاق، وهي قضية عارضة في ظروف استثنائية ضاغطة، كما أن بعض الغموض لا يزال يكتنف بعض تفاصيلها.
الإنجاز الثاني: تثبيت مفاهيم اسلامية عامة:
لقد كان الحوار محتدما قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، وعلى مدى عقود من الزمن وبشكل خاص بعد سقوط الدولة العثمانية إلى عشية 12 شباط 1979، كان الحوار محتدما بين إسلاميين مفترضين وبين يساريين وعلمانيين ووطنيين من كافة الانتماءات حول عناوين كثيرة وأهمها ثلاثة عناوين:
- هل الاسلام دين ودولة؟ أم أن الحركات الإسلامية هي التي “اخترعت” فكرة الدولة الإسلامية والحكم بما أنزل الله؟ ولو كان الإسلام دولة فهل تصلح للقرن العشرين؟
- هل الدين فعلا أفيون الشعوب كما قال ماركس…
- هل هنالك حركات إسلامية أو نموذج إسلامي يستطيع أن يعبر عن نفسه خارج المعسكرين الشرقي والغربي؟
بمجرد انتصار الثورة الإسلامية، فقد تمت الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل عملي، ولم يعد المخالفون للفكر الإسلامي يطرحون هذه الأسئلة أصلا، فكان الإسلام في إيران وقود الثورة ولم يكن المادة المخدرة، ولم يكن هنالك صعوبة في إنشاء دولة تجمع ما بين المرجعية الدينية واحترام ارادة الشعب وترفع فعلا لواء لا شرقية ولا غربية وتطبقه بشكل عملي.
الإنجاز الثالث: نظام إسلامي قائم على الشورى:
لقد استطاع فريق العمل الذي اعتمد عليه الإمام الخميني (رحمه الله) أن يستنبط نظاما يجمع بين الديمقراطية الغربية (الليبرالية) وبين النظام الإسلامي الذي يفترض أن يعتمد على المرجعية الإسلامية، فكان نظام ولاية الفقيه، القائد ومعه مجلس الخبراء أو صيانة الدستور، انه له حق النقض في أي أمر يرى أنه يخالف الشريعة الإسلامية وفق الاجتهادات المعتمدة، ويضع مواصفات المرشحين للرئاسة ولمجلس الوزراء وللمجلس النيابي، ومن جهة أخرى يمارس الشعب حق الانتخاب، فينتخب رئيس الجمهورية والنواب، ليعطي هذا النطام نظريا، وبغض النظر عن الشوائب التي تطرق خلال التطبيق نموذجا مميزا يؤكد مرجعية الشريعة الإسلامية وحرية الختيار من قبل الشعب. وقد يقول ناقد أن هذه ديموقراطية مقيدة لا تشبه الديموقراطية بشيء، وهذا موضوع مطروح للحوار المعمق، ولكن لنا أن نقول: هل الديمقراطية الغربية الحرة أتت بالأفضل لشعوبها؟ ها هو ترامب (المجنون) يتصدر الرئاسة في أكبر ديموقراطيات العالم ويأتي بالأعاجيب، كما أننا يجب أن نشير إلى أن هذه الديمقراطية يحكمها من خلف ستار وأحيانا من دون ستار الشركات الضخمة والكارتيلات وأصحاب رؤوس الأموال فضلا عن اللوبيات وعلى رأسها اللوبي الصهيوني، الخ…
ونضع هذا الإنجاز كما نراه ضمن الحديث عن الوحدة الإسلامية لأن هذا النموذج برأينا يصلح لان يعمم على كافة المسلمين، ولقد خاضت الحركات الإسلامية نقاشات حامية من أجل الوصول إلى صيغة عصرية لنظام إسلامي، وما أظن أن أحدا وصل إلى هذه النتيجة المميزة التي تمارسها إيران منذ الانتصار.
الإنجاز الرابع: فلسطين والمقاومة:
من دون أدنى شك، وبالرغم عن الكثير من المشككين الذين سخّروا آلة سياسية وإعلامية هائلة للتشكيك بهذا الأمر، نؤكد أن الجمهورية الإسلامية، وانطلاقا مما ينبغي أن يكون مصدر وحدة للأمة الإسلامية، فإن إيران نجحت إلى حد كبير بحمل القضية الفلسطينية ودعم المقاومة بأقصى قدراتها، وفي كثير من الأحيان على حساب المصلحة الداخلية الإيرانية، وقد قدر الله أن يكون ذلك مباشرة بعد خروج (مصر) من الصراع العربي-الصهيوني كما يسمى، وكأن الآية الكريمة تمثلت في هذا الحدث: { وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } (سورة محمد 38) وآيات متعددة تؤكد هذا المعنى… خرجت مصر رسميا من هذا الصراع في 17 أيلول 1978 بالتوقيع النهائي على اتفاقيتي كامب دايفيد، وبدأتنفيذ الاتفاق في آذار 1979 … ودخلت إيران بعد حوالي أربعة أشهر في 12 شباط 1979، وبغض النظر عما آلت إليه الأمور بعد ذلك، فقد عبر عن هذا الأمر حينها الناطق باسم القضية الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات عندما زار إيران بعد الانتصار مباشرة وسأله الصحافيون: هل ستستمر بالنضال وقد خرجت مصر من الصراع؟ قال خرجت مصر ودخلت إيران… إيران معنا اليوم، الخ.
نجحت إيران في هذا الصدد نجاحا ملحوظاً، واستمرت خلال 42 عاما على وتيرة واحدة لم تتأخر عن هذا الواجب رغم الحرب المفروضة عليها لمدة ثمانية سنوات، والحصار الإقتصادي والحروب المذهبية والفتن المتلاحقة. وقد تتضح أهمية الثبات على هذا الشعار عندما نرى أن كل الذين رفعوا شعار فلسطين من البحر إلى النهر، ولواء التحرير أو إلقاء إسرائيل في البحر تحولوا بعد عقد من الزمن أو عقدين على أبعد تقدير إلى حلول أخرى كحل الدولتين أو الاتفاقات المناقضة لكل الشعارات السابقة مثل أوسلو أو وادي عربة أو كامب دايفيد، الخ. إن الواجب الاخلاقي يفرض على الخصوم وحتى على الأعداء أن يعترفوا بهذه الحقيقة التي لا يمكن أن ينكرها إلا معاند أغشى التعصب عينيه… خاصة وأن التزام إيران بقضية فلسطين نتج عنه انتصارات حقيقية في لبنان وفلسطين، بل شكلت المقاومة في هذين البلدين كابوسا حقيقيا للكيان الصهيوني كما لم يحصل سابقا على الإطلاق.
الإنجاز الخامس: الثبات والاستمرارية:
نجحت الثورة الإسلامية في الحفاظ على هذا الشعار، ولو كهدف بعيد للأمة الإسلامية ينبغي أن تسعى إليه كمثال أعلى مطلوب، ولو كان البعض لا يستطيع أن يرى من هذا الشعار إلا أن “الشيعة” فقط يريدون من هذا الشعار حجز مكان لهم في الأمة الإسلامية حيث ترفض بعض الفرق الإسلامية أن تعاملهم معاملة المسلمين، خاصة الوهابية في أوج انطلاقتها وما نتج عنها من حركات تكفيرية معاصرة…
والحق يقال، أن من يدعي ذلك يدين نفسه، لأن مثل هذا الأمر بديهي ولا يستطيع أحد أن يحرم مسلما يرفع لواء الإسلام من أن يكون جزءا من الأمة الإسلامية مهما كانت درجة الخلاف طالما أنه يتبنى أسس الإيمان الرئيسية المتفق عليها، أو ما يسميه العلماء: المعلوم من الدين بالضرورة، قال تعالى: { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } (سورة النساء 94).
والحق يقال هنا: خلال اثنتين وأربعين سنة من هذه الثورة كانت إيران دائما تمد اليد وترفع الشعار وتبذل في سبيله الكثير، فيما أن العالم الإسلامي لم يبادر مرة بشكل جدي إلى حوار فقهي أو سياسي معمق، بمعنى لم تُسجل أية جهة إسلامية وازنة مثل الأزهر الشريف أو الجامعات الإسلامية المميزة في السعودية أو رابطة العالم الاسلامي أو حركة الإخوان المسلمين الواسعة الانتشار، انها قد بادرت إلى حوار حقيقي على أسس واضحة، بل اكتفت هذه الجهات جميعا، إلا القليل الذي لا يقاس عليه بتوجيه الاتهامات والشتائم والبحث في الكتب والمؤلفات عما يدين الشيعة ويحرجهم… والسبب بكل تأكيد أن الجهات التي يفترض منها أن تقود حوارا حقيقيا ليست حرة في اتخاذ هذا القرار التاريخي، وهنا نعود للنقطة الأولى: إيران حرة في اتخاذ قراراتها ولا توجد جهة أخرى وازنة في العالم الإسلامي تستطيع أن تتخذ قرارا بهذه الأهمية… فقد اشتهرت الشعارات الرئيسة منذ انطلاقة الثورة: الموت لأمريكا، إسرائيل غدة سرطانية، الخ… ولا يخفى على أحد أن النفوذ الأمريكي قوي إلى درجة أنه سيشكل حائلا حقيقيا يمنع أي حوار جدي… بل دُفع (العالم الإسلامي) تقريبا كله للمشاركة في حرب السنوات الثمانية التي شنت على إيران بغير سبب عسكري واضح، ثم إلى المشاركة في الحروب المتنوعة: السياسية والثقافية والاقتصادية، الخ.
الإنجاز السادس: التصنيع والقوة الاقتصادية:
تحولت إيران إلى دولة قوية تعتمد على الصناعة وتستطيع ان تواجه التقنية الأمريكية المتطورة في بعض المجالات، كسقوط الطائرة الأمريكية المسيرة المتطورة جدا في مضيق هرمز، حيث تفاجأ الأمريكيون بالقوات الإيرانية المتطورة وعمدوا إلى تغيير خططهم العسكرية لتلك المرحلة، وأتصور أن هذا البند يحتاج إلى أن يشرحه المتخصصون بالتفصيل.
هل نستطيع أن نضع تطور إيران الإقتصادي والصناعي النسبي، تحت عنوان (الوحدة الإسلامية)، بكل بساطة نعم، لأن التخلف المدني والصناعي والاقتصادي هو على رأس أسباب التبعية التي تمنع العالم الإسلامي من التقدم على طريق شعارات تعارض الهيمنة الأمريكية والغربية.
الإنجاز السابع:أن الجهات التي يفترض منها أن تقود حوارا حقيقيا ليست حرة في اتخاذ مثل ا عتضتضتضصتضصتضصتضصتضصتضصتضص
الثبات السياسي والصمود الداخلي أمام المخططات الكبرى، حيث لا يخفى على أحد أن المخابرات الغربية دعمت بشكل متكرر حركات احتجاجية قوية بهدف إسقاط النظام أو تأليب الشعب على القيادة… ولم تفلح كل تلك المحاولات رغم أنه قد أنفق عليها مبالغ طائلة، والعكس صحيح بالنسبة لكثير من الأنظمة العربية والاسلامية التي لم تصمد ولم توجد أصلا إلا بدعم أميركي وغربي بشكل عام.
العنوان الثاني: الاخفاقات:
قد نتحدث عن الإخفاقات من زاوية معينة لا يشاطرنا فيها آخرون، وإذا تحدثنا عنها فلأجل البحث عن الأفضل.
أولا: النص الفقهي:
لم يتحقق أي إنجاز على صعيد النص الفقهي، بمعنى لم تستطع الثورة الإسلامية أن تقدم نصا فقهيا يختلف عن النص الفقهي الشيعي التقليدي إلا في تفاصيل محددة قد لا تكون كافية لنعتبرها تجديدا، وبالتالي ظلت الحوارات الفقهية تدور في حلقات متشابهة ومتكررة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه… هل هذا ممكن؟ بمعنى آخر هل كان مطروحا أصلا؟ والجواب الذي يأتي في رأس القائمة أن الإمام الخميني نفسه (رحمه الله) لم يطرح نفسه مجددا فقهيا بمعنى من المعاني فيما عدا مفهومه المميز لولاية الفقيه، ولقد أثبت ذلك في وصيته المشهورة حيث دعا العلماء والمفكرين في العالم الإسلامي إلى دراسة مذهب أهل البيت والتعمق فيه… مما يعني أنه يدعو إلى هذا المذهب كما هو ولا يطرح تجديدا عميقا في النصوص والمرتكزات الرئيسية، وبرأينا لو أنه فعل لما استطاع تبوأ القيادة في إيران، لأن تجديد الفقه أي الخروج من التقليد سيجد معارضة شديدة، وفي أحسن الأحوال ستستجيب له فئة محددة لا تشكل قوة شعبية قادرة على التغيير… ولعل الإمام أدرك ذلك، فكان تركيزه على التجديد السياسي الذي تفوق به على كافة القيادات في العالم الإسلامي.
وفي نفس السياق نؤكد مرة أخرى على آفة موجودة في العالم الإسلامي، بل في كافة الشعوب تقريبا… أن العامة وجمهور الناس أقوى من العلماء ومن النخب الثقافية، خاصة فيما يتعلق بالهوية المذهبية أو القومية أو القضايا الحياتية التي تعيشها الشعوب، ولقد رأينا علماء كبارا، لا يخشون الاعراب عن كافة أفكارهم أمام العامة خوفا من ردات فعل غير محسوبة، وبالتالي فإن الحديث عن تجديد فقهي حقيقي يحتاج إلى ما يشبه المعجزة لعلها تأتي في وقت قريب بإذن الله.
ثانيا: اختلال الموازين:
لم يستطع شعار الوحدة الإسلامية، ولم تستطع إيران حتى في التقويم السياسي أن تضع مقياسا واحدا للتعامل مع التاريخ الإسلامي… عندما يطلب من المسلمين السنة أن يندرجوا تحت شعار الوحدة الإسلامية واعتبار الإمام الخميني قائدا للأمة الإسلامية وكذلك القائد الخامنئي، يعني ذلك ضمنيا وعلنيا عدم اعتبار الفقه والمذهب هو المعيار، فالذين يعلنون تأييدهم لقيادة الإمامين الخميني وخامنئي من السنة، يعلنون ذلك اعتمادا على الشعارات السياسية والاستراتيجية التي يجري تنفيذها، وليس بالتأكيد لموافقتهم على الاجتهاد الفقهي… وان إيران تطبق ذلك في العالم الإسلامي المعاصر فتدعم كل المقاومين من كافة الاتجاهات والانتماءات، وتعتبر حركتيْ حماس والجهاد وسائر المقاومين في فلسطين مثل حزب الله أو الحشد الشعبي وسواهما في المعاملة والدعم، الخ…
ولكن لم تستطع إيران مثلا إعادة الاعتبار لأبطال الإسلام في التاريخ بتصحيح المعيار، فظل (صلاح الدين الأيوبي)، على سبيل المثال، مدانا رغم أنه انتصر في حطين وحرر الأقصى ووحد مصر ودمشق والموصل تحت قيادة واحدة، بعد أن كان العالم الإسلامي مشرذما تحت سلطة أمراء اقزام ومناطق نفوذ… والسبب الظاهر هو أن صلاح الدين الايوبي حول مصر من التبعية للدولة الفاطمية إلى المذهب الشافعي، ورغم أن الفاطميين هم من الاسماعيليين وليسوا من الاثني عشريين، فليس مفهوما لماذا يتم التعاطف معهم، بل أكثر من ذلك، لقد عمد البعض، على سبيل المثال، إلى تشويه صورة صلاح الدين لإيهام الرأي العام أن سبب الموقف السلبي منه هو الظلم والتعسف والانحراف وليس الناحية المذهبية، وكمثال على ذلك ذكر المؤرخ المعتمد (السيد حسن الامين) خلال حواره الساخن مع د. هاشم الأيوبي على صفحات جريدة النهار في أوائل التسعينات أن صلاح الدين كان “سكّيرا”، ونسب ذلك إلى الإمام الذهبي في كتابه المشهور (سير أعلام النبلاء) وعند الاطلاع على نص الإمام الذهبي تبين أنه قال: (وقيل –للتقليل- أنه كان يشرب الخمر في شبابه ثم تاب) ولا يخفى على أحد الفارق الكبير بين الجملتين…
أما عن عدالة الخليفة عمر بن الخطاب وفتوحاته وتميزه عن كافة الحكام في التاريخ، فلم يكن هنالك أي مجال لفتح هذا الموضوع بموضوعية وتجرد بهدف تعديل النظرة التاريخية إلى شخصه المميز، فيما أن النظرة التاريخية التي يعتمد عليها المدينون لشخصه المميز تعتمد على أمور يستحيل أن يتم اثباتها بالسند السليم أو بالأدلة المعقولة، أما عن الموقف الفقهي فموضوع آخر ذو شجون يرتبط بالخلاف الفقهي العقدي في الموقف من الخلافة والإمامة وليس هذا موضوعنا في هذه الصفحات.
وقد ينسحب هذا الخلل في الموازين لكثير من أبطال التاريخ وممن تنسب إليهم إنجازات.
ثالثا: الجمهور:
لم تستطع الجمهورية الإسلامية بشعاراتها البراقة والتزامها المميز بها، أن تستقطب جمهورا واسعا من السنة، وظل المؤيدون لإيران من السنة من النخب الثقافية والعلمية المحدودة العدد، ولم يشكلوا جمهورا واسعا، ولا شك أن هذا عرقل انتشار الشعارات وتنفيذها.
أما السبب الرئيسي فبرأينا هو حجم الدعاية المغرضة المسيئة للثورة وللجمهورية ولشعاراتها، حيث استطاعت هذه الدعاية المغرضة أن تقنع جمهورا عريضا بأباطيل وافتراءات لا تمت للحقيقة بصلة، أو أنها ضخمت سلبيات وتجاوزت عن إيجابيات… ولا شك أن قمة هذه الحملات كانت ممارسة الضغط الاقتصادي والأمني والمعيشي على كل مؤيد لشعارات الثورة الإسلامية في العالم… فلا شك أن كثيرين شنت عليهم حروب متنوعة حاصرتهم في معيشتهم اليومية ووظائفهم وأعمالهم، كما دخل كثيرون الى السجون فضلا عن النفي والاغتيالات.
ولا شك أن ايران مسؤولة بدورها عن عدم اتساع دائرة المؤيدين في العالم الاسلامي بسبب الجمود الفقهي بشكل رئيسي كما ذكرنا لأسباب متعددة يأتي ذكرها خلال السياق ان شاء الله.
رابعا: الاستسلام للواقع أو (ردات الفعل):
ينسب للجاسوس الأميركي الشهير (مايلز كوبلاند) أنه قال: (اننا لا نعتمد فقط في تنفيذ مخططاتنا على عملائنا، بل نستطيع أن نسخر أعداءنا لأهدافنا، وذلك من خلال وضعهم في موقف معين يضطرون إزاءه للقيام بردة فعل معينة، ردة الفعل هذه تخدمنا وتنفذ مآربنا من حيث لا تدري هذه الجهة أو هذا الزعيم أنه يفعل ذلك وغالبا ما يكون عدوا…) فماذا عن ردات الفعل الإيرانية ضد كل المؤامرات التي حيكت ضدها، وهل استفاد منها أخصامها وأعداؤها؟ والمثل الأشهر هو الحرب المفروضة على إيران خلال ثمان سنوات، حيث كانت إيران تدافع عن أرضها ضد عدوان لا يمكن أن يكون مبررا، ولكن شئنا أم أبينا ان هذه الحرب كانت تنعكس سلبا على شعار الوحدة الإسلامية، وخاصة بعد إخراج القوات العراقية من الأراضي الإيرانية أي حوالي 1984، يعني أن السنوات الأربع الأخيرة من هذه الحرب لم يكن لها أي مبرر عسكري أو استراتيجي على الإطلاق، وإذا توسعنا في هذه النقطة فإن سبب استمرار الحرب، أن الإمام الخميني رحمه الله كان على قناعة عميقة من أنه في حال سقوط نظام صدام حسين، فإن الجيش الإيراني يصبح على أبواب القدس، فلا يتبقى إلا تلك المسافة المحدودة بين الحدود العراقية وفلسطين (وهي الأردن)، ولا شك برأينا المتواضع كان استمرار الحرب خطأ فادحا أثر سلبا على دور إيران في المنطقة…ولا نستبعد أن تكون أجهزة المخابرات العالمية قد سربت من خلال عملائها أو الأجهزة المتطورة إلى إيران معلومات تجعلها متحمسة لاستمرار الحرب حتى يزداد الدمار والموت طالما أن الأمريكي قادر على إنهاء الحرب عندما يقرر… باعتباره مصدر السلاح الرئيسي أو الوحيد.
ويذكر أنه قبل قبول إيران بالقرار 598 كما عبر الإمام الخميني رحمه الله أنه كتجرع السم، كان هنالك جهد عالمي – إسلامي يهدف إلى إيجاد حل وسط… وهو أن يعتبر العراق مسؤولا عن بداية هذه الحرب، وتعتبر إيران المسؤولة عن استمرارها، فتم رفض هذا الاقتراح، وما لبث أن تم تزويد العراق بسلاح متطور حُسمت به المرحلة الأخيرة من الحرب…
والمثل الآخر هو تدخل حزب الله في سوريا حيث كان حزب الله يدافع عن لبنان وعن نفسه في مواجهة أعداء كانوا سيأتون إلى لبنان وسيصبح خطرهم شاملا… ولم يكن هنالك خيار، ومع ذلك تم استغلال هذا الأمر بأبشع الصور، وكانت الفتنة – المؤامرة في سوريا بابًا واسعاً من أبواب الصد عن سبيل الله وعن شعار الوحدة الإسلامية خاصة في السنوات الأولى، ولا شك أن إيران مضطرة إلى أن تعمل في هذا السياق تحت القاعدة الشرعية: (درء المفاسد أوْلى من جلب المصالح)، فإن المفسدة الكبرى التي كانت ستنتج عن انتشار الحركات التكفيرية المتطرفة مثلا، هي أخطر بكثير من البحث عن أنصار وموالين في الساحة “السنية”. وهذان المثلان يشابههما كثير من الأمثلة، والسؤال الذي يفرض نفسه: هل خضوع إيران والقوى الموالية للأمر الواقع هو نتيجة مؤامرة محكمة أم أنها ظروف فرضت نفسها؟ ما أظن أحدا يملك جوابا شافيا يقنع الرأي العام.
خامسا: بعض كبرياء:
الكبرياء آفة العلم والعلماء، وآفة القيادات الكبرى، ولقد تسبب الكبرياء بكثير من المصائب خلال التاريخ، فعلى سبيل المثال: قد يدفع الكبرياء القائد إلى رفض الاقتراحات التي تأتي ممن هم أقل منه شأنا… وفي ذلك أمثلة كثيرة، والحق يقال أن النماذج التي التقينا بها خلال هذه العقود الأربعة وتعاملنا معها، تمثل فعلا الجزء من الآية الكريمة (أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين)، واللافت أن هذه الآية جاءت قبل الآية الكريمة التي تصف حزب الله بأنهم (الغالبون)، وكأنها تتحدث فعلا عن هذه الشخصيات التي تحمل شعار الوحدة الإسلامية وزوال إسرائيل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } (سورة المائدة 54 – 56) الخ، ولعل المماثلة بين هذه الآيات وأبطال المقاومة كبير جدا لا يرى في مكان آخر بسهولة، ولكن هذا لا يشمل بعض فلتات اللسان وبعض ردات الفعل التي تنبئ عن شيء من الكبرياء الذي بدوره يعتمد على فكرة رئيسية: (اننا بسبب اننا نحمل الفهم الأمثل للإسلام، فإن الله ينصرنا)… هذه الفكرة قد تكون مدمرة إذا تم اعتمادها بشكل مطلق، وما أظن على الإطلاق أن هذا وارد، ولكن ينبغي التأكيد على أن أسباب النصر لا تكون فقط بصحة العقيدة وسلامة الفهم، وهذا سيدنا علي يخاطب جنوده بكلام حاسم: فَيَا عَجَباً عَجَباً وَاللَّهِ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِنَ اجْتِمَاعِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ، الخ…وقبل ذلك هزم الصحابة الكرام في أحد لأنهم خالفوا أمرا واحدا من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الخ…و الأمثلة كثيرة.
فهناك شروط أخرى للنصر… الاعداد، طاعة القيادة، حسن التخطيط، التناصر والموالاة بين الجنود والقيادة وبين الجنود بعضهم مع بعض، الخ… وهذه شروط متوفرة بشكل واضح في صفوف المقاومة ومحورها بشكل عام مما كان سبباً رئيسياً للنصر، والله أعلم، والأهم من كل ذلك التوفيق الإلهي والسداد… هنالك قدر إلهي حتمي بزوال إسرائيل يسخر الله له من يشاء… يجب أن يبقى التواضع سمة رئيسية للدعاة والعلماء والقيادات وقبل النصر وبعده… والبحث يطول.
ولقد كان لافتاً، على سبيل المثال، أن سماحة السيد حسن نصر الله كان يدعو دائما كوادر حزب الله للتواضع، ويمارس ذلك بشكل واضح، وفي يوم من أيام أيلول 1997، وفي ذكرى استشهاد شهداء جبل الرفيع ومنهم ولده (الشهيد هادي)، ركز في خطابه على التواضع وقام ناشر جريدة السفير الأستاذ طلال سلمان بإبراز هذا بشكل مميز: مانشيت الجريدة الرئيسي بالخط العريض: نصر الله لحزب الله: تواضعوا. فاحتلت كلمة تواضعوا عرض الصفحة وكانت لافتة جدا، ذلك أن بعض الكوادر هنا وهنالك يظهر عليهم شيء من التعالي على الآخرين، وهو شيء بسيط جدا بالمقارنة مع جهات أخرى تعمل في العمل السياسي والشأن العام ، هؤلاء الآخرون لو أنهم أنجزوا ما أنجزه حزب الله لتعاملوا مع الناس كأنهم أنصاف آلهة، وقد رأينا كثيرا من هؤلاء، ورأينا فسادهم وانحرافاتهم الفادحة…
ومع ذلك نقول أن أعداء المقاومة وأخصامها ضخموا كثيرا فكرة أن حزب الله يعاني من فائض القوة ويستعمله بطريقة سيئة، لقد تم تضخيم هذه الفكرة أكثر من واقعها بأضعاف المرات.
سادسا: اختلال ميزان التحالف:
إنه لمن المؤكد أن من إنجازات السياسة الأيرانية المميزة أنها أعطت مفهوما مختلفاً لميزان التحالف مع القوى الأخرى، ففيما كانت الحركات الإسلامية العاملة في العالم الإسلامي تتخذ الانتماء الديني معيارا للتحالف، جعلت القيادة في إيران المعيار السياسي هو مقياس التحالف، ولقد أدى التحالف على أساس ديني أو عقيدي مفترض إلى انحراف كبير: فعلى سبيل المثال، لقد استجابت حركة الإخوان المسلمين أو بعض فروعها أو بعض جمهورها في الخمسينات والستينات إلى الدعاية الأمريكية التي تروّج أن الإتحاد السوفييتي يدعو إلى الإلحاد فيما قادة العالم الغربي المسيحي هم من أهل الكتاب، فلا بد من مواجهة الإلحاد بالتحالف مع “المؤمنين”، مما أحدث خللا كبيرا في الموقف السياسي، حيث أصبحت بعض هذه الحركات وهذه القيادات حليفة للاستكبار الأمريكي ومنفذة لمآربه من حيث تدري أو لا تدري.
وكما ذكرنا، لقد جعل الإمام الخميني، وحتى ما قبل الانتصار، ميزان التحالف هو الموقف من الاستكبار، من أمريكا ومن الصهيونية، وكان هذا الأمر إنجازا حقيقيا فاجـأ العاملين في الحقل الإسلامي وحقق أهدافا حقيقية، كما ان الامام الخميني قد حقق إنجازا آخر في هذا الصدد فقام برفع شعارات مرحلية، فكان شعاره الرئيسي الذي جمع عليه الإيرانيين من كل الاتجاهات (قبل الثورة): (يجب أن يسقط الشاه)، وأجل التفاصيل إلى مراحل لاحقة، فاستطاع أن يمارس قيادة واسعة تجمع تحت عباءته المتناقضات… مثل هذا (التكتيك) لم تعرفه الحركات الإسلامية ولا الوطنية تقريبا في العالمين العربي والإسلامي. وهو جمع نوعاً من البراغماتية وفكرة رئيسية من العقيدة أو الموقف السياسي وكان في قمة (الذكاء العملي) كما يقول علماء النفس.
وهنا نذكر قصة معبرة أن علماء لبنان الذين كانوا موجودين في النجف، قاموا بزيارة الإمام الخميني إثر الاجتياح الإسرائيلي الأول في آذار 1978 عارضين الوضع في جنوب لبنان، الشريط الحدودي كما سمي في ذلك الوقت، مطالبين بالدعم، فكان جواب الإمام الخميني: يجب أن يسقط الشاه… خرج العلماء والطلبة مصدومين من جوابه، وكأنه يستخف بمشكلتهم، والواقع يقول أنه قبل مرور سنة على هذه الحادثة سقط الشاه وبدأت إيران تهتم بالمقاومة وتدعمها وصولا إلى النصر… بحول الله تعالى.
أما على صعيد الحركات الإسلامية فظلت إيران تحاول الحفاظ على العلاقة معها حتى لو لم تكن هذه الحركات حاسمة في مواجهة الاستكبار العالمي، وهنا نقل المقربون من القائد خامنئي أنه لم ينم ليلة القبض على الرئيس المصري الراحل (محمد مرسي) رحمه الله لأنه اعتبر أن فشل حركة إسلامية ينعكس على إيران رغم الفارق الكبير بين تحالفات إيران الواضحة وبين ارتباطات الرئيس مرسي وحركة الإخوان التي أوصلته إلى سدة الرئاسة ثم ذهبت به. ونحن نقدر هنا بالتأكيد حاجة إيران الماسة إلى علاقة حقيقية مع كبرى الحركات الإسلامية (السنية)، ولكن كيف يمكن أن تستقيم الأمور…؟
أما في لبنان، على سبيل المثال أيضا، فلم يكن واضحا الحرص على البحث عن حليف سني حقيقي حتى اشتعلت الأزمات المذهبية المتلاحقة، خاصة بعد اغتيال الرئيس الحريري رحمه الله حيث حاول حزب الله استدراك الخطأ… ونسج علاقات حقيقية مع حلفائه السنة وغيرهم، فيما كانت هذه العلاقات ينبغي أن تنسج قبل ذلك بكثير، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الإمكانيات والتحولات وأمور أخرى قد تعطي عذرا كافيا لحزب الله ولإيران في هذا الصدد.
ورغم كل الانتقادات التي يمكن أن توجه لإيران وحلفائها في هذا الصدد، إلا أن الحرص على مواجهة أي احتمال لفتنة مذهبية كبير جدا، يلمسه القريب والبعيد، إنما صعوبة هذا الملف والتعقيدات التي تلفه وتشوبه من نواح عدة يجعل أي “إنجاز” في هذا الملف صغيرا وغير منظور.
سابعا: التردد بين التحالف ونشر التشيع:
لا شيئ يدل أن الدعوة إلى التشيع كانت هدفاً رئيسياً من أهداف الثورة الإسلامية والمؤسسات التابعة، ولكننا أحيانا نرى جنوحاً نحو هذا الهدف، ويظهر أحيانا وكأنه الهدف الرئيسي ثم اذا ما تعثر نشر المذهب بشكل أو بآخر، يتم الاستعاضة عنه بترميم العلاقات تحت عنوان الوحدة الإسلامية.
ولعل الخلل يظهر عندما يحصل هنالك تنازع بين الحرص على الحلفاء السنة، وبين نشر التشيع. فعندما تلوح فرصة اكتساب عناصر جديدة ممن ارتضوا أن ينتقلوا إلى المذهب الشيعي، يصبح هدف اكتساب أفراد شيعة أهم من نسج علاقات مع المجموعات السنية المؤيدة… ويتم التعامل مع المتشيعين بشكل مميز مما يوجه ضربة قاسية للدعوة إلى الوحدة.
ثامنا: السنة في الداخل:
قيل الكثير عن إهمال السنة داخل إيران وسوء التعامل معهم، ولقد ثبت لنا أن هذا الأمر غير صحيح، والصحيح أن الأمر عكس ما يتم الترويج له في الإعلام المغرض، ويبقى سؤال يتردد دائما، لماذا لا يتقلد السنة في إيران مناصب كبيرة في الدولة ليشاركوا في صنع القرار؟ والجواب: أن على الموظف أن يكون مؤمنا بولاية الفقيه منفذا للتوجيهات من منطلق الالتزام الفقهي وهذا لا يتوفر في غير الشيعي الملتزم بولاية الفقيه وليس غيره، يعني أن الشيعي غير الملتزم بولاية الفقيه لا يتقلد المناصب أيضا، ومهما كان الجواب فإن هذا الأمر يبقى نقطة ضعف لافتة نعالجها بالتفصيل في مكان آخر بإذن الله.
هل هنالك أسباب تخفيفية؟
حتى يكون رأينا دقيقا، فلا بد أن نضع الإيجابيات والسلبيات في حجمها الحقيقي، لأن عالمنا المعقد والقوة البالغة للقوى الاستكبارية تجعل الإنجازات تبدو موضوعيا أكبر بكثير من السلبيات، فيما تضخم السيئات في عين المعارضين الذين يعتمدون بشكل رئيسي على وسائل الإعلام المرتبطة والمغرضة، أو الذين ارتضوا لأنفسهم موقفاً متطرفاً تفضيلاً للمصلحة الخاصة أو الفئوية على المصلحة العامة، وبالتالي ان الميزان الذي اعتمدناه في هذه السطور لا يمكن أن يصبح ميزاناً شاملاً يعتمده الجميع، وبالتالي سيبقى موقفنا أقرب إلى الرأي الخاص منه إلى التقويم العام.
كما أن الرأي المخالف الذي له أسسه ومرتكزاته، لا يمكن إلغاؤه بالمطلق، قد يقول “المخلصون” ممن يخالفوننا الرأي ، وهم قلة للأسف، مهما دافعتم عن أيران وعن المقاومة وأحصيتم حسناتها وإيجابياتها فإننا سنصل إلى يوم ما نصطدم فيه بوقائع لا يمكن إيجاد حل وسط لها. فعلى سبيل المثال: إن الصلاة يمكن أن تكون مقبولة عند الله بالشكل الذي يؤديه السني كما الشيعي، وان الموقف من “ولاية” الإمام علي قد يكون مقبولا عند الله بأحد الشكلين أو الثلاثة: إما اعتماد امامة الأئمة الاثني عشر بالشكل الذي يعتمده المذهب الاثني عشري، وإما الإمامة (المفتوحة) بالشكل الذي يعتمده الزيديون (أو الزيود) حسب التعبير الشائع، وإما أن يكون مقبولا وفق اجتهاد السنة، وهو محبة آل البيت واعتماد الصلاة عليهم وجوبا في الصلاة وغيرها، واحترام وإجلال كلامهم ومواقفهم دون الوصول إلى الاعتقاد بالعصمة وما يترتب عليها، ودون أن يصبحوا المصدر الوحيد للتشريع، الخ… ولكن كيف يمكن الوصول إلى حل وسط في موضوع المهدي مثلاً، فهو إما (محمد بن عبد الله) الذي سيولد في وقته كأي إنسان، واما (محمد بن الحسن العسكري) المولود في السنة ( 255هـ) كما يفترض، والذي لا يزال حيا وسيخرج في آخر الزمان، الخ…؟
ويضيف هؤلاء، عندما تكون هذه العقيدة نظرية أو فكرية فقط فالأمر بسيط، أما إن كان يترتب عليها نتائج فقهية وجهادية كما عند بعض الاثني عشرية، فكيف يمكن التعامل مع هذا الوضع، وخاصة عندما يصبح (الإمام المهدي) فقرة يومية تذكر في أول الكلام ويترتب على ذلك نتائج…
وجوابنا أن الإيمان بالمهدي واجب عند الجميع مع اختلاف الصفات، وأن الإمام الخميني قد قفز بالتشيع قفزة كبيرة عندما قال: لن ننتظر الانتظار السلبي، ولكننا سنستعيض عن ذلك بولاية الفقيه التي تجعل القائد نائبا للمهدي المنتظر، هذه الفكرة تقرب بين المفهومين، وتخفف من النتائج الفقهية التي تعرقل العمل وتكبله… (والبحث الفقهي والتاريخي في ذلك واسع ومتشعب ولعلنا سنتناوله في مكان آخر).
انما المقصود مما ذكرناه أنه يفترض أننا مهما أنجزنا على صعيد ما نسميه (الوحدة الإسلامية) فلا بد أن نختلف يوما ما… وجوابنا: أن الله موجود، وأن هذه المسيرة يرعاها رب العالمين، وعندما يطّلع الله على إخلاص المخلصين وصدق الصادقين سيفتح لنا الأبواب، وستتغير الظروف في وقتها، وهذه الفكرة موجودة في أجمل كلام قاله الإمام علي عليه السلام: (…فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر حتى استقر الإسلام ملقيا جرانه ومتبوئا أوطانه…).
إن مثل هذا الكلام لا ينبغي أن نتعامل معه كقطعة أدبية من نهج البلاغة، ولكن كنص ديني نلتزم به يحدد لنا كيف النصر… فلنصدق في حرصنا على حليفنا وصديقنا ورفيق طريقنا والباقي على الله، لن نملك حل كل المشكلات مهما كنا ضالعين في العلم ومتمرسين بالعمل، إنما الفاعل هو الله بعد ما نقدم الصدق والاستقامة من قبلنا…
ومن أهم الأسباب التخفيفية أن الثورة الإسلامية وهذه التجربة المميزة قام بها (بشر) يخطئون ويصيبون، يجتهدون ويقلدون، ينجحون ويخفقون، نقول هذا لأن البعض ينتظر من إيران أن تتجاوز كل الصعوبات، وأن تقوم بما يقوم به (سوبرمان) في كافة المجالات، ولن يصدقوا أنها مؤيدة من الله حتى يروا معجزات تشبه معجزات الأنبياء فعلا، ثمة من يفكر بهذه الطريقة (مع شيء من المبالغة)… نقول لهم بالفم الملآن وبقوة الواقع والمنطق… أنظروا إلى تجارب الآخرين وقارنوا، عند ذلك ينبغي أن تضعوا الأمور في نصابها… قال الشاعر:
ضدان لما اجتمعا حَسُنا والضد يظهر حسنه الضدُّ
عندما نرى دولاً كبرى وغنية تزعم أنها إسلامية غارقة في التبعية حتى الثمالة، كما في التخلف الصناعي والعلمي، تظهر أهمية الإنجازات الإيرانية.
وهنا أذكر كلمة مميزة قالها الشهيد الشيخ صبحي الصالح عام 1980 في صيدا اثر احتفال للمولد النبوي الشريف بدعوة من لجنة الوقف الشيعي، وفي منزل الحاج حسن عسيران وقتها، وبعد إثارة بعض الحاضرين للأمر الذي كان موضع انتقاد واسع للثورة الإسلامية في أول انطلاقتها… وهو تنفيذ عدد من أحكام الإعدام من خلال ما سمي وقتها محكمة الثورة التي أنشأها المرحوم آية الله خلخالي، قال العلامة صبحي الصالح أنه قال لأحد الصحافيين ممن اتصلوا به ليعلق على هذا الأمر (الإعدامات)، قال: أقول للثورة الإسلامية ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم لأهل بدر: (لعل الله اطلع عل أهل بدر فقال:افعلوا ما شئتم فإني قد غفرت لكم)… عندما تكون الثورة الإسلامية قد استطاعت اسقاط الشاه وإقامة دولة إسلامية في آخر القرن العشرين فهذا إنجاز تصغر أمامه الأخطار.
كيف نتخيل المستقبل:
طالما أنه حتى اللحظة ليس هنالك على سطح الأرض غير الجمهورية الإسلامية ترفع شعارات إسلامية سياسية حقيقية، تحافظ عليها وتسعى من أجلها، وعلى رأس هذه الشعارات فلسطين والمقاومة، وطالما أن هذه الجمهورية أو هذه الثورة مكبلة بالقيود والمذهبية سواء فرضتها على نفسها أم تم فرضها من الآخرين، وطالما أنها محاصرة سياسيا واقتصاديا وثقافيا الخ… وطالما أنه بالمقابل فإن موجة التطبيع والاستسلام للعدو الصهيوني وللمخططات الأمريكية تعم العالمين الإسلامي والعربي، فكيف نتصور المستقبل؟
الواقع أننا هنا ينبغي أن نخرج من التحاليل ومن تتبع الأحداث إلى البعد الغيبي، لأن المستقبل والغيب بيد الله…
الذي نتخيله أن السنوات القليلة القادمة ستحمل تغييرا حقيقيا على صعيد العالم الإسلامي، هذا التغيير سيكون مفاجئا وكبيرا بحيث تتغير الموازين وتحطم المسلمات… وهذا بحث يبحث في مكان آخر…
وحتى يأتي هذا الحدث الغيبي الكبير (المتخيل) فإنه يجب أن نعترف لإيران أنها قد قطعت شوطا تاريخيا على مدة أربعة عقود ونيف وكان لها شرف حمل هذه الراية دون الآخرين، وهي إما أن تسلمها لآخرين يحملون نفس الشروط ونفس الصدق والإخلاص والاستقامة عندما تستيقظ الامة او فريق وازن منها، وإما أن يستطيعوا بطريقة ما أن يحطموا القيود التي تكبلهم وتعيق تقدمهم فتستمر المسيرة بوتيرة أسرع وبجمهور أوسع حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا…
فالوضع الذي مررنا به من خلال العقود الأربعة الأخيرة ليس عاديا، ولم يحصل مثله في التاريخ الإسلامي، فلم يحصل سابقا أن كانت الأمة الإسلامية بهذا الترهل وهذا الضعف وهذه التبعية، لم يحصل أن حمل قضايا الإسلام بصدق وإخلاص مجموعة لا تمثل الأكثرية الإسلامية، ولأن هذه الحالة “شاذة” بمعنى من المعاني، فإننا نتوقع أن يصلحها الله بأمر من عنده، والله أعلم. وهذا حديث ذو شجون يفصل في مكان آخر بإذن الله تعالى.