موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة: بتاريخ 4 ذو القعدة 1446هـ الموافق له 2 ايار 2025م: ‏حقوق العمال، الأوهام البشرية

        بسم الله الرحمن الرحيم

موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:

بتاريخ 4 ذو القعدة 1446هـ الموافق له 2 ايار 2025م

حقوق العمال، الأوهام البشرية

‏ في السنوات السبعين وما حولها، كنا نجهد أنفسنا لنقول للشباب الذين كانوا متحمسين كثيرا للشيوعية ولليسار، أن الإسلام أكد النقاط الرئيسية لحقوق العمال، قبل الثورة الصناعية بقرون، وقبل أن تكون هنالك مصانع وثورات عمالية وأنظمة متطورة تحفظ حقوق العمال، فقد كانوا يعتبرون أن قمة العدالة الإنسانية تكمن في الأنظمة الاشتراكية، وعلى رأس ذلك حقوق العمال، فكان لا بد من تبيان الحقائق التالية:

أولا: التأكيد على أن العمل عبادة وتقرب إلى الله، ذلك عندما أكد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، أن من يعمل ليطعم أطفاله، أو يؤمن حياة أبوْيه الكبيريْن، وكذلك من يعمل ليكف عن نفسه المسألة، اي التسول، كل ذلك في سبيل الله، أي عبادة.. في الحديث الشريف: (مر على النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ فرأى أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  من جلده ونشاطه، فقالوا : يا رسول الله : لو كان هذا في سبيل الله ؟ ، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  : إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ،  وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين  فهو في سبيل الله ، وإن كان يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج رياء ومفاخرة  فهو في سبيل الشيطان) (اخرجه الطبراني (282 (19/ 129)).

ثانيا: تقدير العمال وأوقات العمل في الحديث الشريف، (إنَّ إخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أيْدِيكُمْ، فمَن كانَ أخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ، فَلْيُطْعِمْهُ ممَّا يَأْكُلُ، ولْيُلْبِسْهُ ممَّا يَلْبَسُ، ولَا تُكَلِّفُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ، فإنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ ما يَغْلِبُهُمْ فأعِينُوهُمْ.) [رواه البخاري برقم (30) ومسلم برقم (1661)] ، يتضمن هذا الحديث احترام العمال والمساواة في المعاملة، كما يتضمن عدم إرهاقهم بما يمهد لفكرة الوقت الإضافي، (over time).

ثالثا: الحد الأدنى للأجور: وذلك واضح في حديث عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما أمر الصحابي (حاطب بن أبي بلتعة) أن يعطي عماله ضعف ما كان يعطيهم، ثمانية بدل الأربعة دراهم، وإلا اعتبر سارقا لاجورهم، ورفض أن يعتبرهم سارقين وأن يقيم عليهم حد السرقة. فقد روى عبد الرزاق في مصنفه عن عبد الرحمن بن حاطب أن غلمة لابيه عبد الرحمن ابن حاطب سرقوا بعيرا فانتحروه ، فوجد عندهم جلده ورأسه، فرفع أمرهم إلى عمر بن الخطاب ، فأمر بقطعهم ، فمكثوا ساعة ، وما نرى إلا إن قد فرغ من قطعهم ، ثم قال عمر: علي بهم، ثم قال لعبد الرحمن : والله إني لاراك تستعملهم ثم تجيعهم وتسئ إليهم، حتى لو وجدوا ما حرم الله عليهم لحل لهم ، ثم قال لصاحب البعير: كم كنت تعطى لبعيرك؟ قال: أربع مئة درهم ، قال لعبد الرحمن : قم ، فاغرم لهم ثمان مئة درهم) (رواه عبدالرزاق في مصنفه ج 10 ص 239 : رقم:  18978 ).

رابعا: تعويض نهاية الخدمة، واضح في الاجراءات التي اتخذها الخلفاء وسائر السمؤولين لاعطاء العجز والشيوخ، حتى لو كانوا من اهل الكتاب، المال الكافي ليعيشوا.

عاشت الشيوعية ثلاثا وسبعين عاما في الاتحاد السوفياتي وسائر المعسكر الاشتراكي، وكانت شعاراتهم ترتكز على ديكتاتورية العمال، كما كانوا يقولون (ديكتاتورية البروليتاريا)، ويؤكدون ان النظام السياسي يجب ان يكون هدفه الرئيسي انصاف العمال، وعلينا ان نتساءل، بعد هذه التجربة الطويلة: وحتى في اوج انجازات الانظمة الاشتراكية في الخمسينات واوائل الستينات: هل كان مستوى معيشة العمال في الانظمة الاشتراكية افضل من مستوى حياتهم في اوروبا واميركا وسائر الغرب؟ بالتأكيد لا، مما يؤكد ان كل ما طرحوه “وناضلوا” من اجله واشعلوا ثورات وخلعوا ملوكاً ونصبوا حكاماً من أجله، كان اقرب الى الوهم والسراب.

وخاصة عندما نتحدث، على سبيل المثال، عن تأميم المصانع الكبرى، وقد اثبت ان التأميم اعطى نتائج عكسية، وكان سببا في فشل المصانع وتراجع الانتاج، وعندنا مثلان مؤلمان: واحد في سوريا وآخر في مصر، فأما في سوريا فمثل الشركة الخماسية للنسيج التي فقدت قيمتها بشكل كامل بعد التأميم (المجرم)، وفي مصر الاصلاح الزراعي الذي لم يؤد الى تحسين الانتاج، بل هجر الفلاحون اراضيهم وعملوا بأقل الاعمال قيمة في القاهرة…الخ، نتحدث هنا عن الجانب الاقتصادي وليس عن الجانب السياسي.

اوهام تعيشها البشرية، وكما كنا نظن ان التيار الاسلامي لن يعيش هذه الاوهام وقد جاء بديلا عن الشيوعية والقومية، اثر الفشل المتراكم، ولكن الغرب استطاع بقوته الاستخبارية ان ينشيء داعش والنصرة وسواهما، وتم من خلال ذلك تشويه التيار الاسلامي بشكل او بآخر، واُشعلت المعارك المذهبية المبنية على شعارات جاهلية محضة… الخ.

واليوم، على سبيل المثال، نعيش اسوأ ايامنا لجهة القدرة الصهيونية على اختراق الجسد “الاسلامي”، والذي سجل الشريط الفاجر، على سبيل المثال، في جرمانا، الذي اهان سيد الانام هو من عناصر المخابرات الصهيونية بالتأكيد، والذين هبوا للانتقام هم كذلك، والذين واجهوهم ايضا، الجميع والعياذ بالله كأنهم احجار شطرنج يحركها اليهودي ليدمر بلادنا ويحكم السيطرة ويدخل في تفاصيل حياتنا، ويقدم اليهودي نفسه وكأنه  بحق حامي الاقليات والمظلومين.

ثورة من هنا ونظام من هنالك، وبالتالي دُمرت سوريا وخرجت عن خارطة الصمود او الممانعة وغير ذلك ايضا… وليس بعيداً عن هذا ان يستطيع الصهيوني ان ينصّب على افضل الشعوب عطاءً وجهاداً وصبراً، ان ينصب عميلاً صهيونياً يتكلم باسم فلسطين، والحقيقة انه ضالع في العلاقة مع الاجهزة الثلاثة الموساد والشين بت وأمان، وكل هذه الاجهزة تستفيد منه وتجنده لمصلحة الصهاينة، وهو لا يمثل فلسطينياً واحداً، حتى لو حمل اسم حسين وتكنى بالشيخ.

على ابطال فتح الذين لا يزالون يعيشون في وهج الانطلاقة، الرصاصة الاولى، ومعركة الكرامة والانتفاضة وابو جهاد الوزير وابو علي اياد … ومروان البرغوثي، هؤلاء عليهم ان يقوموا بخطوة ما، تبين انهم لا ينتمون لعملاء الصهاينة الذين نصبوا على رأس منظمة التحرير بقرار صهيوني، وانهم ينتمون الى المقاومة واهلها وليس لمشاريع الاستسلام والتطبيع.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

اما عن الانتخابات البلدية، فلا شك انها فرصة للاصلاح اذا صدقت النوايا، ونضم صوتنا الى ضرورة اصلاح النظام في بلدية بيروت والغاء القانون الذي يجعل محافظ بيروت المسؤول التنفيذي عن البلدية، فلماذا تجرى انتخابات؟ ولماذا نسميها بلدية ان كان المحافظ ، بغض النظر عن هويته وانتمائه، سيكون صاحب السلطة التنفيذية للبلدية؟، اما المناصفة فينبغي ان تكون بقرار اهل بيروت وليس فرضاً عليهم، مما يؤجج المشاعر الطائفية ولا يخدم الاهداف التي ينبغي ان تتحقق منه المناصفة.

اما بيان المجلس الاعلى للدفاع، اليوم، الذي وجه تحذيراً لحركة حماس وسائر القوى الفلسطينية، من ان تستعمل لبنان منطلقاً لعمليات عسمرية، نجده في غير مكانه، وخاصة ان الاتصالات تجري في الاتجاه السليم لتسليم مطلقي الصواريخ، وخاصة انهم قاموا بذلك دون قرار مركزي من الحركة.

مقالات ذات صلة