موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة: بتاريخ 29 ذو الحجة 1445هـ الموافق له 5 تموز 2024م: عدالة الصحابة

بسم الله الرحمن الرحيم
موقف سياسي أسبوعي: خطبة الجمعة:
بتاريخ 29 ذو الحجة 1445هـ الموافق له 5 تموز 2024م
عدالة الصحابة
‏نكرر مرة أخرى أننا لسنا مع طرح الحوار الفقهي من على المنابر، لأنه، حسب التجربة لا يؤدي النتيجة المطلوبة، بل قد يزيد في الخلاف المذهبي ويوسع الهوة بين المسلمين، خاصة أنه كما ثبت بالتجربة أيضا، أن العامة، أي الجمهور، أو الرأي العام، أقوى من العلماء فيما يعني الانتماء والهوية المذهبية، ولقد تأكد لنا أن علماء كبارا ومراجع لا يستطيعون البوح بكل ما يقتنعون به، خوفا من ردة فعل الجمهور، ولقد حصلت في التاريخ الإسلامي قصص كثيرة في هذا الاتجاه.
‏إن الذي نطرحه اليوم هو باختصار: أن يفهم الجميع من الفريقين أن القاعدة الشرعية، كل الصحابة عدول، لا تعني أنهم معصومون عن الخطأ، بل أن آيات كثيرة فضلاً عن السيرة الصحيحة، تؤكد أن بعض الصحابة ‏وقعوا في ذنوب كثيرة بل في كبائر، ولكن الله كتب لهم المغفرة والرحمة بسبب ما قدموا من نصرة لدين الله وتضحيات كثيرة ، ومن هذا على سبيل المثال، الذين خالفوا أوامر رسول الله في أحد:
(مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (آل عمران – 152).
(إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهُمْ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (آل عمران – 155)، وآيات كثيرة في هذا الاتجداه، ‏وان فكرة عدالة الصحابة تنحصر مبدئياً في التأكيد على أن الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحيل من هؤلاء بسبب أن الرسول صلى الله عليه وسلم اكد (من كذب عليّ متعمدا فليتوبأ مقعده في النار) ، وليس كل الصحابة قد رووا الأحاديث.
‏المهم، إذا وضعنا هذه القاعدة في مكانها، فإنها لا تمنعنا من أن نذكر أخطاء الصحابة وما وقعوا به من مخالفات، ومنها (ويح عمار تقتله الفئة البالغة)، ثم لا بأس بعد ذلك من ان نجتهد، إن كان هؤلاء من الذين غفر الله لهم أم لا، الاجتهاد هنا متاح، وفي المقابل إذا أعاد الشيعة النظر في قاعدة (التقية ديني ودين آبائي)، وتركوا تأويل كل ما يؤكد حسن العلاقة بين آل البيت والصحابة، وسائر المسلمين بأنه تقية، فإن الأمر يتغير كثيرا.
‏لقد امتدح الله الصحابة الكرام في آيات كثيرة، ولقد نُقل عن الإمام الباقر وكذلك عن الإمام جعفر الصادق عليهما السلام التأكيد على شرح الآيات من سورة الحشر (﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ (10)﴾.
‏ولقد نقل عن هذين الأمامين الجليليْن في كتب اخواننا الامامية، أنهما تبنّيا تفسير هذه الآيات كما هي، ورفضا من زائرين لهما أي كلام سوء بحق أبي بكر وعمر وعثمان، مستشهدين بهذه الآيات.
‏ان مثل هذا الموقف وغيره كثير يتم تأويله من قبل بعد علماء اخواننا الامامية أنه تقية، فيما أنه كما ذكرنا مراراً وتكراراً أن التقية للضعفاء وليست للأقوياء، كأمثال الائمة الكرام.
‏المهم إذا اختصرنا الموضوع في كلمتين،، على المؤرخين وكبار العلماء أن يضعوا قاعدة (كل الصحابة عدول في مكانها)، وفي المقابل فإن على علماء الامامية إعادة النظر بقاعدة التقية لنعطي فكرة التقارب والتواصل بين أئمة آل البيت جميعا، من علي رضي الله عنه إلى الحسن العسكري الصورة الصحيحة، حيث ان ما يدل على التقارب والتواصل والتناصح بين أئمة أهل البيت وبقية المجتمع الإسلامي، كانت دائمة وكافية للتأكيد على أننا أمة واحدة لا تفرقنا الاجتهادات الفقهية.
‏واليوم نتحدث عن الأمة الواحدة من خلال الموقف العملي، وليس من خلال التقارب الفقهي، إن محور المقاومة من إيران إلى اليمن والعراق وسوريا فضلاً عن لبنان، يقفون مع غزة بكل القدرات الممكنة، فيما أن الدول التي تضم الاكثرية (السنية) لا تقف مكتوفة فقط فيما يعني غزة، بل تساهم في الحصار والقتل، من مصر إلى السعودية فالإمارات فتركيا وغيرهم، إن الالتزام بأحكام الإسلام وعلى رأسها الجهاد والمقاومة يذيب الفوارق ويؤكد على وحدة الأمة، أما النظريات الفقهية وخاصة تلك التي لا توضع موضع التنفيذ فإنها تكاد لا تعني شيئا، خاصة في مرحلتنا الحساسة هذه… ولا حول ولا قوة الا بالله.
رابط فيديو: خطبة الجمعة: 5-7-2024: https://youtu.be/oDmXLFpS2k8

مقالات ذات صلة